فصل: تفسير الآية رقم (191):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (190):

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم موسى من الآيات؟ قالوا: عصاه، ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً. فدعا ربه فنزلت {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} فليتفكروا فيها.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده. ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي في معجم الصحابة عن صفوان بن المعطل السلمي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرهقت صلاته ليلة فصلى العشاء الآخرة ثم نام، فلما كان نصف الليل استيقظ فتلا الآيات العشر. آخر سورة آل عمران، ثم تسوّك، ثم توضأ فصلى إحدى عشرة ركعة.

.تفسير الآية رقم (191):

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}
أخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينادي مناد يوم القيامة أين أولوا الألباب؟ قالوا: أي أولي الألباب تريد؟! قال: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار} عقد لهم لواء فاتبع القوم لواءهم وقال لهم: ادخلوها خالدين».
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في قوله: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} قال: إنما هذا في الصلاة، إذا لم يستطع قائماً فقاعدا، وإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه.
وأخرج الحاكم عن عمران بن حصين. أنه كان به البواسير فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على جنب.
وأخرج البخاري عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب».
وأخرج البخاري عن عمران بن حصين قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال: «من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} قال: هذه حالاتك كلها يا ابن آدم. اذكر الله وأنت قائم، فإن لم تستطع فاذكره جالساً، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جنبك. يسر من الله وتخفيف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لا يكون عبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً.
قوله تعالى {ويتفكرون...} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والأصبهاني في الترغيب عن عبد الله بن سلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون فقال: «لا تفكروا في الله ولكن تفكروا فيما خلق».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والأصبهاني في الترغيب عن عمرو بن مرة قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون فقال: تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عثمان بن أبي دهرين قال: «بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى أصحابه وهم سكوت لا يتكلمون فقال: ما لكم لا تتكلمون؟! قالوا: نتفكر في خلق الله قال: كذلك فافعلوا، تفكروا في خلقه ولا تفكروا فيه».
وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله».
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التفكر وابن المنذر وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر عن عطاء قال: قلت لعائشة أخبرني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: وأي شأنه لم يكن عجباً! إنه أتاني ليلة فدخل معي في لحافي ثم قال: ذريني أتعبد لربي. فقام فتوضأ ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى. فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم لا أفعل وقد أنزل علي هذه الليلة {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} إلى قوله: {سبحانك فقنا عذاب النار} ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها».
وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعة قال: «من قرأ سورة آل عمران فلم يتفكر فيها ويله. فعد بأصابعه عشراً. قيل للأوزاعي: ما غاية التفكر فيهن؟ قال: يقرؤهن وهو يعقلهن».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر عن ابن عون قال: سألت أم الدرداء ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والإعتبار.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
وأخرج ابن سعد عن أبي الدرداء. مثله.
وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً. مثله.
وأخرج الديلمي من وجه آخر مرفوعاً عن أنس «تفكر ساعة في اختلاف الليل والنهار خير من عبادة ثمانين سنة».
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكرة ساعة خير من عبادة ستين».
وأخرج أبو الشيخ والديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً: «بينما رجل مستلق ينظر إلى السماء وإلى النجوم فقال: والله إني لأعلم أن لك خالقاً ورباً. اللهم اغفر لي. فنظر الله إليه فغفر له».

.تفسير الآيات (192- 194):

{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء وابن عباس أنهما كانا يقولان: اسم الله الأكبر رب رب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس في قوله: {من تُدخل النار فقد أخزيته} قال: من تخلد.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن المسيب في قوله: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته} قال: هذه خاصة لمن لا يخرج منها.
وأخرج ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال: قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت {وما هم بخارجين من النار} [ البقرة: 167] قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الكفار. قلت لجابر: فقوله: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} قال: وما أخزاه حين أحرقه بالنار، وإن دون ذلك خزياً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {منادياً ينادي للإيمان} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق عن محمد بن كعب القرظي {سمعنا منادياً ينادي للإيمان} قال: هو القرآن ليس كل الناس يسمع النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: سمعوا دعوة من الله فأجابوها، وأحسنوا فيها: وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الأنس كيف قال، وعن مؤمن الجن كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال: {إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً} [ الجن: 1]. وأما مؤمن الأنس فقال: {ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} قال: ستنجزون موعد الله على رسله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا تخزنا يوم القيامة} قال: لا تفضحنا {إنك لا تخلف الميعاد} قال: ميعاد من قال لا إله إلا الله {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم} قال: أهل لا إله إلا الله أهل التوحيد والإخلاص لا أخزيهم يوم القيامة.
وأخرج أبو يعلى عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العار والتخزية يبلغ من ابن آدم يوم القيامة في المقام بين يدي الله ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار».
وأخرج أبو بكر الشافعي في رباعياته عن أبي قرصافة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم لا تخزنا يوم القيامة، ولا تفضحنا يوم اللقاء».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه قال: إذا فرغ أحدكم من التشهد في الصلاة فليقل: اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [ البقرة: 201] ربنا إننا آمنا {فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} إلى قوله: {إنك لا تخلف الميعاد}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كان يستحب أن يدعو في المكتوبة بدعاء القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين أنه سئل عن الدعاء في الصلاة فقال: كان أحب دعائهم ما وافق القرآن.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألفاً شهداء وفوداً إلى الله وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم تقطر في أيديهم تثج أوداجهم دماً يقولون {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك.. إنك لا تخلف الميعاد} فيقول: صدق عبيدي. اغسلوهم بنهر البيضة فيخرجون منه بيضاً، فيسرحون في الجنة حيث شاؤوا».

.تفسير الآية رقم (195):

{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت «يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء! فأنزل الله: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} إلى آخر الآية قالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا».
وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: آخر آية نزلت هذه الآية {فاستجاب لهم ربهم} إلى آخرها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: ما من عبد يقول: يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه. فذكر للحسن فقال: أما تقرأ القرآن {ربنا إننا سمعنا منادياً} [ آل عمران: 193] إلى قوله: {فاستجاب لهم ربهم}.
قوله تعالى: {فالذين هاجروا} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: هم المهاجرون أخرجوا من كل وجه.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ثلة الجنة الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره. إذا أُمِروا سمعوا وأطاعوا، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره، وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وقُتِلوا وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟! أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب، ويأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي. فتدخل الملائكة عليهم من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [ الرعد: 24]».
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: المهاجرون، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون فتقول لهم الخزنة: أوقد حوسبتم؟ قالوا: بأي شيء نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك! قال: فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاماً قبل أن يدخل الناس».
وأخرج أحمد عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت الجنة فسمعت فيها حشفة بين يدي فقلت: ما هذا؟ قال: بلال، فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين، ولم أر أحداً أقل من الأغنياء والنساء. قيل لي: أما الأغنياء فهم بالباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألهاهن الأحمران: الذهب والحرير».
وأخرج أحمد عن أبي الصديق عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم بأربعمائة عام، حتى يقول المؤمن الغني: يا ليتني كنت نحيلاً. قيل: يا رسول الله صفهم لنا قال: هم الذين إذا كان مكروه بعثوا له، وإذا كان مغنم بعث إليه سواهم، وهم الذين يحجبون عن الأبواب».
وأخرج الحكيم الترمذي عن سعيد بن عامر بن حزم قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل فقراء المسلمين قبل الأغنياء الجنة بخمسين سنة، حتى إن الرجل من الأغنياء ليدخل في غمارهم فيؤخذ بيده فيستخرج».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال: يجمعون فيقول أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيبرزون. فيقال: ما عندكم؟ فيقولون: يا رب ابتلينا فصبرنا وأنت أعلم، وَوَلَّيْتَ الأموال والسلطان غيرنا. فيقال: صدقتم. فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمن، وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان. قيل: فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: يوضع لهم كراسي من نور، ويظلل عليهم الغمام، ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة من نهار. والله أعلم.
قوله تعالى: {والله عنده حسن الثواب}.
أخرج ابن أبي حاتم عن شداد بن أوس قال: يا أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه فإن الله لا يبغي على مؤمن، فإذا نزل بأحدكم شيء مما يحب فليحمد الله، وإذا نزل به شيء يكره فليصبر وليحتسب، فإن الله عنده حسن الثواب.